الإمارات

الاقتصاد الدائري.. زخم عالمي بعد الجائحة

أبرزت جائحة «كوفيد19» للعالم بوضوح وجود فرص حقيقية ونادرة لدى الحكومات في الاقتصاد الدائري، ليس كمحرك داعم نحو التعافي من تبعات الجائحة فحسب، بل كذلك لبناء اقتصاد مرن منخفض الكربون. وتعتبر الإمارات من أولى الدول التي استطاعت استكشاف وتحديد الفرص التي يحملها الاقتصاد الدائري في رسم خارطة مستقبل أفضل للأعمال والمجتمع والعالم.

أظهرت دراسة حديثة لمؤسسة «إيلين مكارثر» الخيرية التي تهدف إلى تسريع الانتقال إلى الاقتصاد الدائري إلى أن الانتقال نحو الاقتصاد الدائري يتطلب من الحكومات أن تأخذ الإجراءات الحاسمة التي لا تركز على حماية الاقتصادات الوطنية خلال الأزمات فحسب، بل تمهد الطريق كذلك نحو اقتصاد أوسع، وأكثر مرونة في مواجهة المخاطر العالمية المستقبلية، وعلى رأسها تغير المناخ الناجم عن النمو الكبير في حجم النفايات والتلوث.

وبعد أقل من عام على تفشي جائحة «كوفيد19»، قامت الإمارات في يناير 2021 بإطلاق «سياسة دولة الإمارات للاقتصاد الدائري 2021-2031»، والتي تهدف إلى تحقيق الإدارة المستدامة للاقتصاد والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية والبيئية.

وحددت السياسة – التي كانت ثمرة التعاون بين وزارة التغير المناخي والبيئة ووزارة الاقتصاد، ومكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، ووزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل – مجموعة من الإجراءات الداعمة والمعززة للتحول للاقتصاد الدائري منها، تحديد اتجاه واضح لتطبيق معايير الاقتصاد الدائري، وجمع وتبادل ورصد وتحليل بيانات ومعلومات هذا الاقتصاد، وزيادة توظيف التكنولوجيا والابتكار والبحث والتطوير، وزيادة الوعي وبناء قدرات أصحاب المصلحة الرئيسيين بشأن التقنيات والمنهجيات ونماذج الأعمال التي تدعم الاقتصاد الدائري، وإنشاء شراكات ومنصات تعاون بين كافة الجهات والقطاعات، وضمان الوصول إلى التمويل المستدام، وتطوير وتنفيذ السياسات العامة للمشتريات الدائرية، وتطبيق ونشر نظم الإدارة المتكاملة للنفايات.

ويؤكّد خبراء أن الاقتصاد الدائري، كأداة رئيسية لفصل النمو الاقتصادي عن استخدام الموارد والأثر البيئي، يفتح الطريق لانتعاش مرن. حيث أنه لا يعالج الآثار السلبية للاقتصاد الخطي فحسب، ولكن الأهم من ذلك أنه يمثل تحولاً منهجياً قادراً على بناء مرونة طويلة الأمد، وتوليد الأعمال والفرص الاقتصادية، فضلاً عن توفير الفوائد البيئية والمجتمعية، وعلى رأسها تخفيف الآثار السلبية للتغير المناخي على المدى البعيد.

وبحسب دراسة مشتركة لشركة «أكسنتشر» و«المنتدى الاقتصادي العالمي» فإن الاقتصاد الدائري يحمل فرصاً تقدر بـ4.5 تريليونات دولار حتى 2030. ولكن الواقع يقول إن رحى الاقتصاد الخطي العالمي مستمرة في الدوران بقوة، حيث يتم استخراج حوالي 90 مليار طن من الموارد الطبيعية كل عام لدعم الاقتصاد العالمي، أي أكثر من 12 طناً لكل شخص على هذا الكوكب.

وبناءً على الاتجاهات الحالية، من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2050، فيما لا تجد سوى 9% فقط من الموارد تجد طريقها مرة أخرى إلى الإنتاج بعد استخدامها لأول مرة.

وربما من المبشر أن العديد من الشركات العالمية بدأت منذ فترة اتخاذ خطوات جدية لدعم ممارسات الاستدامة الخضراء والاقتصاد الدائري الذي يركز على تقليل استخراج الموارد الطبيعية والحد من النفايات، وتجديد النظم الطبيعية، والاحتفاظ بالمواد الخام والمكونات والمنتجات بقيمتها لأطول فترة ممكنة، والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.

تقنيات التغيير

وتسعى عملاق صناعة الرقائق الأمريكية «إنتل» على سبيل المثال إلى تحقيق حوسبة محايدة الكربون لمواجهة التغير المناخي. حيث تتعاون إنتل مع الشركات المصنّعة للحواسيب لابتكار الحاسوب الأكثر استدامةً وكفاءة في استخدام الطاقة على مستوى العالم، والذي يحدّ من استخدام الكربون والمياه وإنتاج النفايات في تصميمه واستخدامه.

وتستكشف الشركة على وجه التحديد استراتيجية للاستدامة تعتمد على تقنية أجهزة الاستشعار لخفض استهلاك الطاقة، فضلاً عن الشراكة مع شركات بيع مواد التعبئة والتغليف لتوفير مواد قابلة لإعادة التدوير، وتطوير هيكليات طويلة الأمد وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.

كما تتعاون إنتل مع رواد الصناعة وواضعي السياسات للاعتماد على التكنولوجيا التي تسهم في خفض الانبعاثات الناتجة عن الصناعات المختلفة.

وأكد أحمد إبراهيم مدير تطوير الأعمال العالمية لمزودي الأعمال في «إنتل» أن شركة التكنولوجيا العالمية تولي أهمية قصوى للاستدامة لافتاً إلى أن الشركة تسعى إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية من غازات الاحتباس الحراري في عملياتنا العالمية بحلول عام 2040.

وأضاف: «نعمل مع جميع مزودينا على الحد من مشكلة التغير المناخي من خلال التركيز على مراقبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال مراقبة عمليات التصنيع وسلاسل التوريد والمنتجات. كما تمكنا خلال السنوات العشر الأخيرة من تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة لدينا الناتجة من أعمالنا واستثماراتنا بنسبة 75%.

ولفت إبراهيم إلى أن إنتل ستقوم باستثمار 700 مليون دولار في إنشاء «ميجا لاب» للبحوث والتطوير في ولاية أوريجون الأمريكية يركز على تقنيات مراكز البيانات المبتكرة ومعالجة مجالات مثل التدفئة والتبريد واستخدام المياه.

كما تعتبر عملاق التقنية «آبل Apple » كذلك من كبرى الشركات الداعمة لسياسات الاقتصاد الدائري في العالم.

حيث تستخدم شركة (Intel) الطاقة الخضراء لتشغيل متطلبات التشغيل الكهربائي في تصنيع ومعالجة المعالجات بالإضافة إلى ملحقات الكمبيوتر الأخرى، وتعتزم الشركة الاستمرار في توسيع وتطوير المزيد من مصادر الطاقة المتجددة حتى تتمكن من العمل على الطاقة الخضراء بنسبة 100%. كما كشفت آبل مؤخراً عن تفاصيل جديدة حول تزايد استخدام المواد المُعاد تدويرها ضمن منتجاتها.

ولأول مرة، تقدم الشركة الذهب المعتمد والمعاد تدويره وتجاوز الضعف في استخدام التنغستن والعناصر الأرضية النادرة والكوبالت المعاد تدويره. وقامت آبل العام الماضي بإعادة تدوير ما يقرب من 20% من جميع المواد المستخدمة في منتجاتها، وهو أعلى معدل استخدام للمحتوى المعاد تدويره على الإطلاق.

حدثان مهمان

وقالت الدكتورة بيج مورس، مستشارة حلول الاستدامة لدى «آسبن تِك» إن هناك حدثين مهمين في الوقت القريب يسلطان الضوء على أهمية معالجة الحلول للاقتصاد الدائري في الإمارات.

الأول، هو أن الإمارات ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيير المناخ (COP28) في شهر نوفمبر من عام 2023، وبحلول ذلك التاريخ تقريباً ستكون اتفاقية «جمعية الأمم المتحدة للبيئة» للنفايات البلاستيكية على وشك الاكتمال.

وأضافت: «يهدف نهج الاقتصاد الدائري إلى القضاء التام على النفايات وإعادة استخدام المواد عبر سلسلة القيمة للمنتج مع استخدام مصادر طاقة نظيفة وصديقة للبيئة.

في غالب الأمر، تكون التكلفة النهائية لهذه العمليات الجديدة أقل من التكلفة الأصلية بسبب الاستخدام الفعال للمواد الخام، بما في ذلك المواد الأولية والطاقة الحيوية، مع الاستثمار المسبق في مثل هذا النوع من التقنيات.

وسيشجع نهج الاقتصاد الدائري في الإمارات على زيادة الكفاءة في جميع العمليات، مما يؤثر على تحقيقها العديد من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. فالهدف رقم اثنا عشر من أهداف التنمية المستدامة له أهمية بارزة للحد من استخدام المواد السامة و إعادة دمج النفايات إلى جانب تطبيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى أيضاً».

وحول أهم القطاعات التي ستحصد أكبر قدر من الفوائد من اعتماد الاقتصاد الدائري، أفادت مورس: «يعد إنتاج البلاستيك وإعادة تدويره من أكثر الأهداف وضوحاً لجهود الاقتصاد الدائري، مع مراعاة الوعي العام والمحادثات العالمية المستمرة.

حيث تعمل «آسبن تكنولوجي» مع العديد من الشركات في جميع أنحاء العالم لتطوير مناهج جديدة للاقتصاد الدائري، من تقديم حلول سلسلة التوريد من أجل تحسين دمج راتنجات ما بعد الاستهلاك وصولاً إلى عمليات جديدة للإنتاج وإعادة التدوير التي تستخدم طاقة أقل وتولد نفايات أقل.

ومع ذلك، يمكن أيضاً النظر في العديد من العمليات الكيميائية الأخرى، خاصة تلك التي يمكن أن تستفيد من استخدام المواد الخام الحيوية. توفر قدرات المحاكاة الجديدة للعمليات الحيوية، مثل طرق التخمير، أدوات مفيدة للتقدم نحو تطوير عملية جديدة بشكل أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

تجربة «آبل»

وفي عام 2021 كذلك، كان 59% من إجمالي الألومنيوم الذي استخدمته «آبل» في منتجاتها من مصادر معاد تدويرها، وصُنعت الهياكل الخارجية للعديد من المنتجات بالكامل من الألمنيوم المعاد تدويره.

وأحرزت آبل أيضاً تقدماً ملحوظاً في سعيها نحو التوقف عن استخدام البلاستيك في عبواتها بحلول عام 2025، حيث مثّل البلاستيك 4% فقط من العبوات في عام 2021. وقد بدأت الشركة بالفعل جهودها في هذا المجال منذ عام 2015، وخفضت نسبة البلاستيك في عبواتها بنسبة 75%.

وتعتبر شركة التكنولوجيا الرائدة «آيسر» Acer من الشركات الرائدة عالمياً في الالتزام البيئي وتطبيق معايير الاقتصاد الأخضر. حيث أطلقت الشركة مؤخراً منصة «إيرثيون» Earthion التي تجمع بين نقاط القوة للشركة وشركاء سلسلة التوريد والمستهلكين والموظفين.

ويجمع اسم «إيرثيون» بين كلمتي Earth التي تعني الأرض وMission التي تعني المهمة باللغة الإنجليزية، وهو الاسم الذي ابتكرته آيسر ليعبر عن مهمتها المتمثلة في المساعدة على مواجهة التحديات البيئية من خلال حلول مبتكرة ومتكاملة.

وتعد منصة Acer Earthion تتويجاً لجهود تمتد لعدة سنوات وستستمر في التطور. وتمثلت الفكرة الأساسية للمنصة في بذل المزيد من الجهود كشركة مسؤولة، ومكافحة التأثيرات الملحة والمتزايدة لتغير المناخ والفجوة الرقمية.

وقادت هذه الفكرة إلى ولادة Project Humanity، وهي مبادرة قدمتها الشركة لتعزيز الوعي بمجابهة القضايا والتحديات العالمية، وتشجيع كل موظف في آيسر على المساهمة في إحداث تغيير إيجابي. وتتمتع آيسر بتاريخ طويل من الالتزام بتحسين كفاءة الطاقة.

ومنذ عام 2008، اعتمدت الشركة نظام الإفصاح العالمي CDP لإدارة التأثيرات البيئية لسلسلة التوريد الخاصة بها، كما قامت بتوسيع النظام ليشمل مستويين من مشاركة الموردين. وفي عام 2012، بدأت آيسر في تحديد الأهداف المتعلقة بخفض انبعاثات الكربون من خلال إدارة الطاقة واستخدام الطاقة الخضراء، واعتبرت 2009 عام الأساس.

أولوية الاستدامة

وقالت جومانا كرم، رئيس وحدة المنتجات والتسويق لشركة آيسر الشرق الأوسط: «إننا نعيش في كوكب واحد لذا نحن معنيون بكل المخاطر والتحديات التي تؤثر على كوكبنا كأفراد وكمؤسسات وكحكومات، وهو ما برز بوضوح بعد «كوفيد19»، التي أعادت الزخم العالمي للاقتصاد الدائري.

لذا من الضروري أن نتطلع إلى نمط حياة أخضر صديق للبيئة ويسعدني العمل ضمن شركة تضع الاستدامة على رأس أولوياتها.

وفي إطار التزامها الجديد باستخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100% بحلول عام 2035، أعلنت آيسر أيضاً عن انضمامها إلى RE100، وهي مبادرة عالمية للطاقة المتجددة للشركات تجمع بين مئات الشركات الكبرى والطموحة الملتزمة باستخدام الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة بنسبة 100%. وجرى استخدام الطاقة الخضراء في العديد من عمليات آيسر منذ عام 2013، حيث قامت بعض مواقع الشركة بتركيب الألواح الشمسية لتوليد الطاقة الخاصة بها».

وأوضحت كرم: «وفي عام 2020، اعتمدت جميع أجهزة الحاسوب المحمول من آيسر على الورق المعاد تدويره للتغليف. وفي عام 2021 أطلق أول حاسوب أخضر من آيسر الحاسوب المحمول Aspire Vero ونحن اليوم ضمن إطار منصة Earthion نطلق مجموعة متكاملة من منتجات Vero التي تساعد الفرد والمؤسسات على تقليل بصمتهم الكربونية.

التركيز على الاستدامة واضح ويشمل التصميم والتصنيع والتغليف وخدمة الترقية والصيانة واستخدام الطاقة عند التشغيل، يتم استخدام البلاستيك المعاد تدويره بعد الاستهلاك بنسب مختلفة في جميع أنحاء هيكل الجهاز وأزرار لوحة المفاتيح وبلاستيك المحيطات في لوحة التتبع.

ولا يتم طلاء هيكل الجهاز نفسه بأي لون بل تحفر المعلومات على الهيكل. ويُضاف إلى ذلك التغليف الصديق للبيئة في صندوق مصنوع من لب الورق المعاد تدويره والذي يمكن إعادة استخدامه كحامل للحاسوب مثلاً أو علبة زراعية أو علبة تخزين. كما تتم طباعة جميع الرسومات الموجودة على صندوق الشحن بحبر الصويا. يتم تجميع الحاسوب من خلال براغي موحّدة يمكن الوصول إليها بكل سهولة من أجل تبسيط عملية الصيانة والترقية».

أهمية الاستثمار

وأكد أشرف يحيى، المدير العام لدى إيتون Eaton الشرق الأوسط ضرورة أن تستثمر الحكومات والشركات في البحث والتطوير وإنشاء حلول منتجات مستدامة، مشيراً إلى أن الشركة المتخصصة بإدارة حلول الطاقة التزمت باستثمار 3 مليارات دولار بحلول عام 2030 في البحث والتطوير لتقليل الانبعاثات من منتجاتها القائمة على منتجات معاد تدويرها إلى جانب مواد خام أولية بنسبة 15% وذلك على طريق تحقيق هدفها القائم على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري غير المباشرة من 3 إلى 15% بحلول 2030.

وأضاف: «يعتمد الاقتصاد الدائري على تصميم التخلص من النفايات والتلوث وتحسين استخدام الموارد الطبيعية. لتخفيف الضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، يؤكد نموذج الاقتصاد الدائري أن المنتجات والخدمات والأنظمة ليس لها تأثير سلبي على البيئة مدى حياتها.

حيث يجب تقليل النفايات أثناء التصنيع والاستخدام والتخلص منها باستخدام طرق مناسبة عن انتهاء عمرها الافتراضي. على سبيل المثال، من الأفضل بكثير تجنب التخلص من النفايات عند انتهاء العمر الافتراضي وإعادة استخدامها بل يسهم الاقتصاد الدائري بضرورة استخدامها هذه المواد ضمن دورة حياة ثانية تتدخل في تصنيع منتجات جديدة».
  طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
منبع: عربية CNBC

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى