الشراكات الشاملة عمود رئيس للأجندة الاقتصادية الجديدة
أكد معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية أن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي بدأت الإمارات في إبرامها منذ مطلع العام الجاري، تُعد بمثابة أحد الأعمدة الرئيسية للأجندة الاقتصادية الجديدة التي تتبناها الدولة في الخمسين عاماً المقبلة.
وأشار في تصريحات خاصة لـ«البيان»، حول اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي أبرمتها الإمارات وستبرم المزيد منها في المستقبل، إلى قرب إبرام اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع كولومبيا. كما أوضح أن المفاوضات في هذا السياق تسير على نحو جيد مع تركيا وجورجيا، مشيراً إلى المساهمة أيضاً في بدء مفاوضات بشأن إبرام اتفاقيات للشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون الخليجي وعدد من الاقتصادات الدولية والتكتلات التجارية الكبرى».
روابط أعمق
وأوضح الدكتور ثاني الزيودي أن مفهوم اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة يقوم على إنشاء روابط تجارية واستثمارية أعمق وأقوى مع مختلف البلدان حول العالم، بهدف تيسير انتقال المنتجات، الخدمات، الاستثمارات، والمواهب عبر الحدود بين الأمم المشاركة في هذه الاتفاقيات.
ويُمكن تحقيق ذلك، ليس بإزالة التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية فحسب، بل وإنما أيضاً بتأسيس أُطُر عمل للتجارة الرقمية، التجارة الإلكترونية، آليات لحماية الملكية الفكرية ولفض المنازعات ومنصات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها على تحقيق النمو. وقال إن اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل تذهب إلى أبعد مما تذهب إليه اتفاقيات التجارة الحرة، إذ تُنشئ علاقات اقتصادية أكثر تكاملاً بين الدول ذات التوجهات المُتشابهة».
تحفيز النمو
وشدد على أهمية اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل، ودورها في الاقتصادات الوطنية، قائلاً: «من خلال إزالة العوائق التي تعترض حركة التجارة وإتاحة قدرات أكبر على دخول الأسواق، تعمل اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل على تحفيز النمو الاقتصادي- تماماً كما تعمل التجارة الحرة والتبادل الحر دوماً.
وبحسب تقديرات «صندوق النقد الدولي»، فإن الدول التي تتبنى سياسات التجارة الحرة تنمو بشكل مستمر على نحو أسرع من نظيراتها المنعزلة التي تتبنى السياسات الحمائية، وبصفة خاصة الدول النامية.
ومن شأن اتفاقيات الشراكة التجارية أو التكتلات التجارية ذات النطاقات الأوسع أن تخلق أسواقاً أكبر للمُصدرين، تحفيز المُصنعين ومزودي الخدمات، والتعجيل باستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهي تُعد مقومات حيوية جميعها لتطوير قطاعات صناعية جديدة وقدرات جديدة وخلق فرص عمل جديدة».
أدوات تجارية راسخة
وحول ما إذا كانت اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل تُعد توجهاً اقتصادياً جديداً أم أن لها تواجداً قديماً في الاقتصاد العالمي، قال: «تُعد اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة بكل تأكيد أدوات تجارية راسخة بين الأمم.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أبرم المجتمع الدولي الاتفاقية العامة بشأن التعريفات والتجارة، والتي عُرفت آنذاك اختصاراً باسم «جات»، وكانت بمثابة الإرهاصة لتأسيس «منظمة التجارة العالمية»، والتي كان الهدف منها تقليل الحواجز التجارية وإزالة التعريفات.
تأسست «المجموعة الاقتصادية الأوروبية» في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، والتي ساعدت في وضع حجر الأساس للسوق الأوروبية المُشتركة، والتي صارت في نهاية الأمر «الاتحاد الأوروبي»، والذي يُعد الآن أكبر سوق فردية على مستوى العالم. وفي هذه المنطقة، لدينا بالطبع «مجلس التعاون الخليجي» الذي تأسس عام 1981.
واليوم، تنتقل الصفقات إلى ما هو أبعد من التجارة، حيث تسعى أيضاً إلى تأسيس أُطُر للاستثمار، الملكية الفكرية والتجارة الرقمية، وهذا هو السبب وراء ظهور اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، بدلاً من اتفاقيات التجارة الحُرة.
ولعل أفضل الأمثلة على ذلك هو التصديق أخيراً على «اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية» بين 16 بلداً آسيوياً ومن منطقة آسيا- المحيط الهادي، وتستأثر هذه البلدان الــ 16 معاً بنحو نصف عدد سكان العالم وثُلُث ناتجه الإجمالي المحلي. وعلى الرغم من كوننا نُركز على الاتفاقيات الثنائية، إلا أن أجندتنا لاتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل تجري على نفس هذا المنوال».
أهداف اقتصادية
وأوضح الدكتور ثاني الزيودي السبب وراء التوجه الملحوظ من جانب الإمارات لإبرام عددٍ من اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل منذ مطلع 2022، كما شرح الأهداف الاقتصادية التي تتطلع الإمارات إلى تحقيقها من إبرام هذه الاتفاقيات، وأوضح قائلاً: «على مدار العام الماضي، وبمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس الدولة، وأيضاً بغرض الاستجابة للتحديات الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة «كوفيد-19»، أعلنت الإمارات عن «مشروعات الــ 50»، وهي سلسلة من المبادرات الجريئة التي تهدف إلى زيادة قيمة اقتصاد الإمارات بأكثر من الضعف، من 1.4 تريليون درهم إلى 3 تريليونات درهم، في غضون 10 أعوام.
أعمدة رئيسية
وأضاف: تأسست استراتيجيتنا على هدف جعل الإمارات مركزاً عالمياً للأعمال التجارية، الاستثمار، والابتكار، وتحسين مستوى التنافسية لدينا وتعزيز قدرتنا على استقطاب كافة أشكال رأس المال، سواءً المالي، التقني أو البشري.
وكان انفتاح اقتصادنا على العالم من خلال إبرام اتفاقيات تجارة ثنائية أكثر عُمقاً مع الشركاء العالميين الرئيسيين للإمارات بمثابة أحد الأعمدة الرئيسية لهذه الأجندة الاقتصادية الجديدة.
ومنذ سبتمبر الماضي، بدأنا نعمل على إبرام عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل لغرض زيادة قدرة صادراتنا على الوصول إلى الأسواق، إسراع التدفقات التجارية، تحفيز الفرص الاستثمارية وإنشاء منصات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفي مايو 2022، صرنا قادرين على إبرام أول اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة- وأول اتفاقية تجارة ثنائية على الإطلاق لنا- مع الهند، سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم وثاني أكثر بلدان العالم من حيث عدد السكان. وأتبعناها بعد ذلك بإبرام اتفاقيتين للشراكة مع إسرائيل وإندونيسيا».
اتفاقيات أخرى
وتطرق إلى اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل الأخرى المُنتظر أن تُبرمها الإمارات في المستقبل القريب، وقال: «منذ أن أطلقنا سياسة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، تواصلنا مع عدد من دول العالم التي تشترك معنا في نفس رؤيتنا من أجل تأسيس علاقات شراكة تجارية واستثمارية أكثر متانة وأكثر انفتاحاً مع هذه الدول.
وبالإضافة إلى الهند، إسرائيل وإندونيسيا، سنبرم قريباً اتفاقية مع كولومبيا، كما تجري الآن المفاوضات على نحو جيد مع تركيا وجورجيا. وساهمنا أيضاً في بدء مفاوضات بشأن إبرام اتفاقيات للتعاون الاقتصادي الشامل بين مجلس التعاون الخليجي وعدد من الاقتصادات الدولية والتكتلات التجارية الكبرى».
فوائد متوقعة
وعن الإسهام المتوقّع لاتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل في اقتصاد الإمارات، وحصتها المتوقعة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، قال الزيودي: «تفتح اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل الثلاث التي أبرمناها مع الهند، إسرائيل وإندونيسيا سوقاً يُقدر العدد الإجمالي للمستهلكين فيها بحوالي 1.7 مليار نسمة لمُصدرينا.
وسترفع قيمة صادراتنا بما يتجاوز 2.6%، أي ما يعادل 13.2 مليار دولار. ونتوقّع أن تُضيف هذه الاتفاقيات الثلاث معاً ما يقرب من 20 مليار دولار إلى ناتجنا المحلي الإجمالي بحول عام 2030».
وأضاف: «من الأهمية بمكان أيضاً التأكيد على اعتقادنا أن اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل التي نُبرمها لن تُحفز النمو الاقتصادي المُستدام على المدى الطويل في هذا الوقت الحرج فحسب، بل وإنما أيضاً ستعمل على تأمين سلاسل الإمداد والتوريد، وخلق حالة من اليقين في المنظومة التجارية العالمية وبناء مرونة في مواجهة كافة أنواع الصدمات التي شهدناها خلال العامين الماضيين، بما في ذلك شبح التضخم المتنامي».
خلق الوظائف
ألمح الدكتور ثاني الزيودي إلى التأثير الإيجابي المتوقَع لاتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل على سوق العمل في الإمارات. وقال: إن النمو الاقتصادي، وتدفق التجارة والاستثمارات الأجنبية المُباشرة التي ستعمل اتفاقيات التعاون الاقتصادي الشامل عل تحفيزها، ستخلق بدورها تأثيراً إيجابياً على سوق العمل- وبصفة خاصة، فيما يتعلق بخلق الوظائف التي تحتاج مهارات عالية.
فعلى سبيل المثال، ستؤدي الاتفاقية التي أبرمناها مع اندونيسيا إلى خلق 50000 وظيفة لأصحاب المهارات العالية، ونتوقع أن تخلق الاتفاقيات الأخرى التي أبرمناها أيضاً المزيد من فرص العمل. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App منبع: عربية CNBC