الرابحون والخاسرون من قوة الدولار
المصدر: ■ إعداد: سامح عوض الله التاريخ: 13 مايو 2022
بلغ مؤشر سعر الدولار الأميركي، أمام ست عملات مهمة أخرى، مستويات لم يصل إليها منذ 20 عاماً. فمنذ بداية العام الجاري، ارتفع المؤشر بنسبة 8%، كما ارتفع أيضاً خلال الأشهر الـ12 الماضية بنسبة 14%، فضلاً عن ارتفاعه مقابل الين الياباني وحده، أكثر من 13% خلال 2021.
ويوم الأربعاء الماضي، قرر صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة، رفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية. ومن المرجح أن تؤدي تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأخيرة، التي تهدف إلى تشديد الأوضاع النقدية، إلى تحفيز أكبر للدولار، بحيث تسبب الزيادات المستمرة في أسعار الفائدة خفض معدل التضخم المرتفع في البلاد. وتتوقع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى جعل الأسهم والسندات ومعدلات الرهن العقاري أكثر تقلباً.
وعلى الرغم من أن تدفق الأموال الأجنبية إلى الشركات والاستثمارات الأميركية، عزز ارتفاع قيمة الدولار سابقاً، لكن في واقع الأمر، فإن هناك مجموعة متنوعة من الإجراءات، قد زعزعت استقرار أسواق الأسهم والسندات معاً، وعززت قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، ومنها زيادة أسعار الفائدة، والحرب في أوكرانيا، والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والإغلاق العام في الصين، والتباطؤ الاقتصادي في أوروبا واليابان.
وعلى خلفية تعثر الاقتصادات العالمية، وحالة عدم الاستقرار الجيوسياسي، ارتفع الطلب العالمي على الأصول الآمنة نسبياً وذات العوائد المرتفعة، وعلى الرغم من احتمالية أن يكون الاقتصاد الأميركي في وضع محفوف بالمخاطر، لكنه يتعافى جيداً من الركود الناجم عن جائحة كورونا بالمقارنة مع البلدان الأخرى، ولاتزال أسواقه مستقرة نسبياً، وأسعار الفائدة المعروضة على السندات الحكومية «سخية».
ومن المتوقع أن يؤدي التزام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بمحاربة التضخم، عن طريق رفع أسعار الفائدة، إلى زيادة عوائد سندات الخزانة، ما يجعلها أكثر جاذبية مقارنة بالسندات ذات العوائد المنخفضة لدول مثل ألمانيا واليابان والصين، التي عملت على تسهيل الظروف النقدية المحلية، وليس تشديدها.
وتبلغ عائدات السندات الحكومية لمدة 10 سنوات في الولايات المتحدة، نحو 3.1%، لكنها تصل إلى نحو 1.1% في ألمانيا، وأقل من 0.25% في اليابان، وحتى العوائد على السندات الصينية، التي كانت أعلى من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، انخفضت أيضاً أخيراً.
ويجعل الدولار القوي من الواردات الأميركية أرخص، لكنه يجعل من الصادرات أقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. ورغم أنه يقلل من الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، لكنه يسهم في ارتفاع العجز التجاري الأميركي، الذي وصل إلى مستوى مرتفع جديد في مارس الماضي.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة «روزنبرغ» للأبحاث، في تورنتو بكندا، ديفيد روزنبرغ، إن «أميركا أمة من المستهلكين، وأكثر من نصف ما يستهلكه الأميركيون كل عام يأتي من الخارج». وأضاف: «مع ارتفاع الدولار، تنخفض كلفة السلع المستوردة، وتظهر هذه التكاليف المتراجعة في مؤشر أسعار المستهلك».
وأفادت شركة «مورغان ستانلي» لإدارة الثروات، بأن ارتفاع الدولار خفف من بعض الآثار التضخمية في الولايات المتحدة، الناجمة عن ارتفاع أسعار بعض السلع، مثل النفط، والتي يتم تسعيرها بالدولار، لكنها حذرت من أن تخفيف حدة السياسة النقدية سيضعف الدولار، وهو ما قد يؤدي إلى تضخم مصحوب بالركود.
وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قد قال في مؤتمر صحافي، أخيراً، إن «التضخم مرتفع للغاية، بحيث يتعذر على (الاحتياطي الفيدرالي) التراجع عن التعامل معه»، معرباً عن اعتقاده أن هناك فرصة جيدة لاستعادة استقرار الأسعار دون حدوث ركود.
إلى ذلك، قال المدير المالي لشركة «آبل»، لوكا مايستري، إن «ارتفاع الدولار أضر بإيرادات الشركة خلال الربع الأول». وأضاف أنه يصعّب الوضع بالنسبة للعديد من الشركات العالمية، مشيراً إلى أن اضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع معدل التضخم، يضاعفان القلق بشأن تأثير ارتفاع الدولار على أرباح الشركات العالمية.
في السياق ذاته، قال المدير المالي لشركة «بروكتر آند جامبل»، أندريه شولتن، إن «أسعار الصرف الأجنبي تتحرك بشكل أكبر ضدنا»، مرجحاً أن تصل خسائر شركته، من رفع الفائدة على الدولار، إلى نحو 300 مليون دولار.
وتنتقل خسائر الصرف الأجنبي إلى سوق الأوراق المالية، فقد وجدت دراسة أن شركات مؤشر «ستاندرد أند بوروز 500» في بورصة نيويورك، التي لديها أقل اعتماد على الإيرادات الأجنبية، تميل إلى الأداء الجيد عندما كان الدولار قوياً، وهو ما يبدو أنه يحدث الآن.
وقالت كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة «مورغان ستانلي» لإدارة الثروات، ليزا شاليت، إن «الدولار لن يستمر في الارتفاع إلى الأبد. ورأت أنه قد يكون من المنطقي المراهنة على الاتجاه المعاكس».
وأفادت شاليت بأن استثمار الأموال في الأسواق التي تعرضت للضرر، مثل اليابان، قد يكون خطوة معاكسة جيدة مع الصبر والثبات، وبالمثل، فإن أسعار الأسهم والسندات في العديد من الأسواق الناشئة، التي تضررت من الجائحة والحرب في أوكرانيا، أصبحت جذابة.
وبيّنت أن «الأسهم والسندات الصينية قد تكون فرصاً جيدة أيضاً. وقالت شاليت: «أظن أنه عندما تخرج الصين من عمليات الإغلاق، ويبدأ اقتصادها في الانتعاش حقاً، فقد تجذب اقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى معها». Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App منبع: الامارات الیوم